قبل فترة طويلة من الانشغال الحالي “بالأخبار الكاذبة”، كانت الصحف الأميركية تنشر بشكل روتيني قصصا لم تكن دقيقة تماما، وبدت تلك القصص نوعا من التلاعب بالقراء على الحدود النسبية بين الحقيقة والتزييف، وتطور ذلك التلاعب طوال 3 قرون؛ فنُشرت في صحف كبيرة أخبار مزيفة مثل نظريات المؤامرة التي حرّكتها وسائل التواصل الاجتماعي حول مسقط رأس الرئيس الأسبق باراك أوباما.
وإذ تميزت الصحافة الأميركية المبكرة بمزيج من التقارير القوية، والنقد الحزبي، والحكايات الطويلة، والموضوعات المنمقة، وحتى الهراء، وضع الصحفيون العازمون على تحسين سمعة مهنتهم -في بداية القرن الـ20- معايير مهنية وهدفا كبيرا تمثل بالموضوعية. ومع ذلك، يجادل كتاب جديد بأنه أمكن صياغة الدعاية والمعلومات المضللة -سواء في المطبوعات أو في الراديو أو على التلفزيون أو عبر الإنترنت- بحيث تشبه الأخبار الحقيقية.
وفي كتابها الصادر عن مطبعة جامعة كولومبيا (2022) بعنوان “ليس كذبا تماما: أخبار مزيفة وصحافة مضللة في التاريخ الأميركي”، تستكشف الكاتبة آندي تاكر، الأستاذة بمدرسة كولومبيا للصحافة، كيف أن الممارسة الصحفية غالبا ما تركزت على المعلومات المضللة عبر تاريخ الولايات المتحدة.
تأثير الأخبار المزيفة
وفي تقريره، الذي نشرته “كلية لندن للاقتصاد” (LSE)، يقدم الكاتب جيف روكين تحليلا مفصلا سيمنح القراء فهما أكبر لأصول ودور وتأثير الأخبار المزيفة في الماضي والحاضر.
ذكر الكاتب أنه في يناير/كانون الثاني 2017، ظل جزء كبير من الأميركيين والعالم مذهولا على إثر فوز دونالد ترامب غير المتوقع برئاسة الولايات المتحدة. فقبل يوم واحد من “المسيرة النسائية” المعارضة لترامب، اتهم السكرتير الصحفي الجديد، شون سبايسر، وسائل الإعلام السائدة بالتحيز الليبرالي اليساري، كاشفا النقاب عن عنصر أساسي في إستراتيجية البيت الأبيض؛ وهو الحملة لتشويه سمعة الصحافة الوسطية، وفق تعبير المؤلفة.
فعلى مدار فترة ولايته التي استمرت 4 أعوام؛ شرع ترامب في رفض التقارير الصحفية (التي تنتقده) باعتبارها “أخبارا مضللة” بمتوسط أكثر من 200 مناسبة في السنة. وبدأ مفهوم “الأخبار المضللة” في إثارة الغضب في المناقشات في مختلف أنحاء البلاد. وفي الواقع؛ لا يزال حوالي نصف الأميركيين يشككون في نزاهة التغطية الإعلامية لوسائل الإعلام الرئيسية.
وتساءل الكاتب: كيف نشأت مثل هذه المنافسة القاتمة حول السرديات السياسية؟، مجيبا بأنه من أجل فهم كيف تمحورت السياسة الأميركية دائما حول “الأخبار المضللة”، كتبت آندي تاكر، كتابها الذي ناقشت فصوله الثلاثة الأولى عدة أمثلة للأخبار الحزبية المضللة وتأثيراتها على صعود “الجمهورية الأميركية المبكرة التي قامت على مبدأ ثوري (آنذاك) تمثل في حرمان الحكومة من سلطة “تقويض حرية التعبير أو حرية الصحافة”.
الكلمات الدلالية: