يعد مشروع سدة الهندية على نهر الفرات (جنوب مدينة المسيب التابعة لمحافظة بابل العراقية) أحد أهم مشروعات الري وأقدمها في العراق. ونظرا لأهمية هذه السدة تاريخيا، قررت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عام 2021 إدراجها في سجل التراث العالمي للري.
الفكرة والإنجاز
سبقت فكرة إنشاء هذه السدة مجموعة إرهاصات تاريخية بدأت عام 1860 عندما زار مراقد النجف وزير ملك الهند محمد شاه الهندي آنذاك، المهراجا يحيى آصف الدين الهندي، فوجد المدينة تعاني شح المياه، فقرر التبرع بحفر مجرى مائي من نهر الفرات، وسمي نهر الهندية نسبة إليه.
ورغم الفوائد الكبيرة التي انعكست على عديد من المناطق المؤدية إلى النجف، فإن هذا المجرى كان له تأثير سلبي على شط الحلة الذي جف بالكامل عام 1885، وتغير مجرى الفرات بكامله نحو نهر الهندية، فتسبب في اندلاع ثورة قام بها الفلاحون الذي تضرروا من جفاف النهر الأصلي، مما دفع الحكومة العثمانية إلى الاهتمام بهذا الأمر وقررت إنشاء سد يعيد بعض المياه إلى مجاريها السابقة.
وقررت الحكومة العثمانية آنذاك استدعاء المهندس الفرنسي شونديرفر، لتكليفه بإنشاء سد غاطس لحجز المياه، وأتمّ إنجازه عام 1890 وهو عبارة عن جناحين مع فتحة ملاحية وسط النهر لكنه لم يصمد طويلا، إذ انهار عام 1905.
السدة الثانية
بعد انهيار السد الغاطس، انتدبت الحكومة العثمانية المهندس الإنجليزي السير وليم ويلكوكس لدراسة مشاكل الري في العراق وإيجاد الحلول، فاقترح بناء سدة جديدة شديدة الإحكام تقع شمال السد الغاطس بحوالي 800 متر، وباشرت شركة جون جاكسون البريطانية إنجازها، باستخدام الطابوق والنورة (مادة بناء)، وافتُتِحَت عام 1913 بحضور رسمي كبير.
وتشتمل السدة -التي بلغت تكلفتها نحو 350 ألف ليرة عثمانية- على 36 بوابة بقدرة تصريف بلغت 3 آلاف متر مكعب في الثانية، وشارك في البناء أكثر من 3500 عامل عراقي، وصمدت السدة أكثر من 7 عقود تخللتها بعض أعمال الترميم، إلى أن جرى تجديدها عام 1989.
ويبلغ طول السدة الإجمالي اليوم نحو 215 مترا، وهي مكونة من 6 بوابات، بعرض 16 مترا لكل بوابة، إضافة إلى المحطة الكهرمائية.
منارة الهندية
شيدت الحكومة العثمانية منارة بالطابوق الفخاري لترتفع بالقرب من السدة القديمة في رغبة منها لتخليد ذكرى تدشين أول سدة.
وتتكون المنارة من قاعدة مربعة الشكل تحتوي على كتابات توثق تاريخ إنشاء السدة، وفيها عبارات تمجيد للسلطان عبد الحميد الثاني الذي أنجزت السدة في عهده، وتتدرج المنارة نحو الأعلى بارتفاع 7 طوابق تنتهي بعمود مخروطي يؤدي إلى قبة صغيرة يعلوها عمود نحاسي عليه هلال.
أهمية السدة
وتكتسب السدة في الوقت الحالي أهمية كبيرة كونها تغذي نصف مليون هكتار من الأراضي الزراعية في محافظات الفرات الأوسط.