67 عاما مرت على تأسيس أول محطة تلفزيون في العراق، وهي الأولى على مستوى الدول العربية بعدما أهدت شركة بريطانية متخصصة محطة كاملة للعراق في عام 1956، ومنها انتشر التلفزيون في البلاد ببرامج منوعة وإدارات مختلفة وشاشة باللونين الأبيض والأسود، ثم الملون، فمن أين بدأت القصة؟ وإلى أين وصلت؟
بداية الحكاية
في أواخر العهد الملكي في العراق وتحديدا في عام 1956 حضرت شركة “باي” البريطانية للمشاركة في المعرض البريطاني التجاري الذي استضافته بغداد، وكان من بين معروضاتها منظومة بث تلفزيوني باللونين الأسود والأبيض مع أستوديو جاهز، مما لفت انتباه الملك فيصل الثاني الذي افتتح المعرض، فطلب شراء المعدات من الشركة ونصبها في موقع الإذاعة في سقيفة الحديد أو ما تعرف شعبيا بـ”البنكلة”.
صارت “البنكلة” لاحقا مقر تلفزيون بغداد الذي يعد أقدم محطة تلفاز في الشرق الأوسط والوطن العربي،
الحكومة العراقية واجهت صعوبة في شراء المحطة بسبب معوقات مالية وفنية، وقد عُرض بمبلغ 65 ألف دينار، وكان المبلغ يساوي تقريبا موازنة الإذاعة العراقية لسنة كاملة، وفي النهاية قررت الشركة البريطانية تقديم محطة التلفزيون هدية للحكومة العراقية.
وكانت المحطة مكونة من 3 كاميرات وآلة سينما حجم 16 ملم، وقد تم نصب المحطة في دار الإذاعة بمقرها الحالي، وارتفعت السارية التي تمكنت من إيصال البث إلى مدى 30 کیلومترا من بغداد.
وقد وُزعت بعض أجهزة التلفاز في مناطق ومحلات معينة في بغداد، لكي يتمكن الجمهور من مشاهدة البرامج والتعرف على “الجهاز العجيب”، ومن بين الأجهزة سيارة بث خارجي يمكنها نقل الأحداث التي تهم الجمهور من أي مكان في العاصمة العراقية.
ويقول الباحث التميمي إن جهاز التلفزيون أدهش الناس وأثار انتباههم وغيّر نمط حياتهم، إذ جمع الأسرة ووحد المواقف وتصدّر المجالس، ثم أسقط حكومات وغيّر آراء واتجاهات، وعلى الرغم من وصوله إلى العراق في منتصف خمسينيات القرن العشرين فإن انتشاره على نطاق واسع في أرجاء البلاد بدأ في أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات.
توظيف سياسي
واجه ذلك الجهاز -الذي كان جديدا على المجتمع العراقي- رفضا اجتماعيا وشرعيا حينها، لكنه -في المقابل- بدّل شكل المجتمعات وأثرى الثقافات، ثم صنع نجوما وكان وسيلة للثورات والانقلابات العسكرية.
ويرى التميمي أن التلفزيون جاء بشكل مغاير للسينما على الرغم من وجودها بشكل واسع في بغداد، إذ وصل إلى العراق في صندوق خشبي يشبه إلى حد كبير صندوق مسرح الدمى، وكان بعض الناس يعمدون إلى التسلل خلف الجهاز محاولين رؤية الممثلين داخل ذلك الصندوق، فيما كانت النساء يرتدين العباءة في حال ظهور المذيع خشية أن يراهن وهن في منازلهن.
وأدركت كل الحكومات العراقية المتعاقبة أهمية التلفزيون ومدى تأثيره في الجمهور، فتم توظيفه سياسيا في حقب مختلفة، وقد بثت من خلاله الطروحات السياسية والبيانات الرنانة والمحاكمات الشهيرة.
وعلى الرغم من ذلك فإن التلفزيون بقي محببا للجماهير التي تعلقت بمسلسلاته الشهيرة وشخصياته المتفردة، مثل مسلسل “تحت موس الحلاق” وشخصيتي “حجي راضي” التي جسدها سليم البصري، و”عبوسي” التي أداها حمودي الحارثي، ثم شخصيات كثيرة مثل “أبو فارس” (خليل الرفاعي)، و”أبو ضوية” (راسم الجميلي)، و”عبد القادر بيك” (خليل شوقي).
تراكم خبرات
تطور عمل التلفزيون العراقي مع الزمن بعدما مر بمراحل عدة، فانتقل من الأبيض والأسود إلى الملون بفضل تقنيات حديثة ومشاريع فنية وتراكم خبرات لإظهاره بأفضل ما يمكن، حسب الرئيس الحالي لشبكة الإعلام الرسمية العراقية نبيل جاسم.
ويقول جاسم إن تراكم الخبرات من جيل إلى جيل أحدث نقلات نوعية “وقد حرصنا كإدارة مسؤولة في الشبكة -الذي يعد التلفزيون جزءا من مؤسساتها- على إحداث نقلة نوعية في مجال التقنيات الخاصة، سواء على صعيد الصورة أو الصوت، وذلك من خلال إدخال أفضل أنواع المعدات الفنية، بما فيها الكاميرات الحديثة ومن أفضل المناشئ، أو من خلال بناء أستوديوهات تضاهي مثيلاتها في فضائيات عالمية وبأيدٍ وعقول ذاتية من داخل الشبكة”.