يستعد ملايين العراقيين للتوجه إلى مراكز الاقتراع في مختلف أنحاء البلاد لاختيار 329 نائباً جديداً في البرلمان، في وقت بلغ فيه عدد الناخبين المسجلين لدى المفوضية العليا للانتخابات نحو 21 مليون شخص.
ورغم الحماس الذي يرافق العملية الانتخابية، فإن المزاج العام بين العراقيين يتأرجح بين الأمل والخيبة، إذ يشعر عدد كبير من الناخبين بالإحباط من التجربة الديمقراطية التي تجاوز عمرها 20 عاماً، معتبرين أنها لم تحقق طموحاتهم، بل أسفرت عن تفشي الفساد والبطالة وتدهور الخدمات العامة. ويقول كثيرون إن الطبقة السياسية ما زالت تتقاسم الثروة النفطية الضخمة وتوزع المناصب على أساس الولاء الحزبي، في حين تظل معاناة المواطنين اليومية بلا حلول حقيقية.
ورغم هذا الإحباط العام، شهدت الانتخابات ظاهرة لافتة تمثلت في مشاركة عدد غير مسبوق من الشباب، إذ تشير بيانات اللجنة العليا للانتخابات إلى أن نحو 40% من المرشحين تقل أعمارهم عن 40 عاماً، ما يعكس رغبة الجيل الجديد في كسر احتكار النخب السياسية القديمة ومحاولة تجديد الحياة السياسية في البلاد.
أما على صعيد القوى السياسية، فيقود رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، الذي تولى منصبه عام 2022 ويسعى لولاية ثانية، ائتلاف الإعمار والتنمية الذي يضم عدة أحزاب شيعية، ويركز في حملته على تحسين الخدمات ومحاربة الفساد وتعزيز سلطة الدولة. في المقابل، يواصل ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي حضوره القوي، ويتنافس مع ائتلاف السوداني على النفوذ داخل الأوساط الشيعية، في حين يرى منتقدو المالكي أن سياساته الطائفية السابقة كانت سبباً في بروز تنظيم داعش عام 2014.
كما تشارك في السباق الانتخابي مجموعات سياسية ترتبط بعلاقات وثيقة مع إيران وتمتلك فصائل مسلحة، وتخوض الانتخابات على قوائم منفصلة.
وعلى الجانب السني، يبرز “حزب تقدم” بقيادة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي بوصفه القوة السياسية الأبرز، ويحظى الحزب بشعبية واسعة في المناطق الغربية والشمالية ذات الغالبية السنية، ويركز في حملته على إعادة بناء مؤسسات الدولة وتمكين المجتمعات السنية بعد سنوات من الصراع والتهميش.
أما في إقليم كردستان العراق، فيواصل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني سيطرته على الحكومة شبه المستقلة، ويسعى للحصول على حصة أكبر من عائدات النفط التي تمثل جزءاً مهماً من الميزانية العامة. ويواجه الحزب منافسة من الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني، الذي يدعو إلى توثيق العلاقات مع بغداد وغالباً ما يتحالف مع الفصائل الشيعية، مع تركيزه على حماية نفوذه في معاقله التقليدية.
في المقابل، يقاطع تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الانتخابات احتجاجاً على الفساد المستشري، تاركاً الساحة مفتوحة أمام القوى الأخرى. ورغم المقاطعة، لا يزال تيار الصدر يحتفظ بنفوذ واسع داخل مؤسسات الدولة من خلال التعيينات الحكومية.
وتُعد نسبة المشاركة في التصويت مؤشراً مهماً على مدى ثقة العراقيين بالنظام السياسي، إذ سيُنظر إلى انخفاض الإقبال كدليل على استمرار الإحباط الشعبي، بينما قد يمنح ارتفاع نسبة التصويت دفعة محدودة للإصلاحيين والمرشحين الشباب في البرلمان الجديد.
ومن غير المتوقع أن تؤدي الانتخابات إلى تغييرات جذرية في المشهد السياسي، إذ عادة ما تستغرق مفاوضات تشكيل الحكومة فترة طويلة قبل التوصل إلى تسوية بين الأحزاب الأكثر نفوذاً وثراءً وتسليحاً. وبموجب نظام تقاسم السلطة القائم في العراق، يتعين أن يكون رئيس الوزراء من الطائفة الشيعية، ورئيس البرلمان من الطائفة السنية، ورئيس الجمهورية من المكون الكردي.
وستكون الحكومة المقبلة أمام تحديات كبيرة لتقديم إصلاحات حقيقية وتحسين مستوى الخدمات العامة، إلى جانب احتواء الغضب الشعبي المتزايد بسبب تفشي الفساد والبطالة وضعف البنى التحتية.
ومن المنتظر أن تُعلن النتائج الأولية خلال أيام من انتهاء التصويت، بينما قد تمتد مفاوضات تشكيل الحكومة لأشهر. وبعد مصادقة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة الاتحادية العليا على النتائج، سيعقد البرلمان الجديد المكوّن من 329 نائباً جلسته الأولى لانتخاب رئيس البرلمان ونائبيه، ثم رئيس الجمهورية الذي سيكلف الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة.
وسيكون أمام المرشح لتشكيل الحكومة مهلة 30 يوماً لنيل ثقة البرلمان، وهي مهمة غالباً ما تواجه عقبات كبيرة في ظل الانقسامات السياسية والطائفية المعقدة التي تميّز المشهد العراقي.
المصدر: Iraq Zone | عراق زون