عاش الفقيه والكاتب أحمد برناز (1664 – 1726) في مرحلة مضطربة إبان حكم العائلة المرادية لإيالة تونس في العهد العثماني، حيث تعرّض مع العديد من الفقهاء والعلماء للاضطهاد والإهانة والضرب بعدما قطع عنهم مرتباتهم بوصفهم من أفراد الجيش، ولم يختلف الحال بعد وصول السلالة الحسينية للسلطة فأمر علي باشا بسجنه، ومات مخنوقاً في السجن بعد مدة طويلة.
عُرف أحمد بن محمد بن مصطفى قارة خوجة، المعروف بـ”برناز”، وهو من سلالة الأتراك المستقرين بتونس، كأحد أبرز فقهاء الحنفية في عصره، وكان ملمّاً باللغتين التركية والفارسية، وترك مؤلّفات كثيرة في علوم ومعارف متعددة.
صدرت حديثاً عن “المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون/ بيت الحكمة” نسخة محققة من كتابه “إعلام الأعيان بتخفيفات الشرع عن العبيد والصبيان”، بدراسة وتحقيق أستاذة التاريخ والباحثة التونسية حياة الماجري.
الكتاب الذي نُشر لأول مرة عام 1701، توجد منه نسختان في “المكتبة الوطنية” بتونس العاصمة، وكانت غاية تأليفه كما يتضح في خاتمته الرفق بالرقيق، مستشهداً بالحديث النبوي الذي يشير إلى أخوّتهم ويدعو إلى مشاركتهم الطعام نفسه.
ويُضاف الكتاب إلى مؤلف آخر لبرناز تمّ تحقيقه عام 1990 بعنوان “الشهب المخرقة لمن ادعى الاجتهاد لولا انقطاع من أهل المخرقة”، ويضمّ تراجم لعلماء تونسيين وغير تونسيين عرفهم في رحلاته ويذكر حكايات ونصوصا أسطورية دونها أثناء رحلاته أو مطالعاته وفيه معلومات عن المراديين، والدايات (الولاة) المعاصرين لهم، وكان يكتب هذه التراجم كلما كانت تثار مشكلة علمية عند أحد أصحابها.
أما كتاب “إعلام الأعيان” فيعدّ ضمن المرجعيّات المهتمّة بالقضايا التربويّة وبضوابط التنشئة داخل المحيط الأسري، وفي النسيج الاجتماعي العام، إذ يهتمّ بالحدّ الشرعيّ للتأديب، وبأشكال العقاب مثل الوسائل الانتقاميّة، وحكم شهادات المعلمين والصبيان، وحكم شهاداتهم بعضهم لبعض.