مع تصاعد موجات الحرّ الشديدة التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً في العراق ودول الخليج، يتجدد الجدل حول مدى مشروعية تعطيل الدوام الرسمي عند تجاوز درجات الحرارة حاجز الـ50 درجة مئوية، ومدى استناد هذا القرار إلى أسس قانونية سواء على المستوى المحلي أو الدولي.
الإطار القانوني الدولي لحماية الصحة والسلامة
لا يوجد نص دولي صريح يُلزم الحكومات بتعطيل الدوام عند ارتفاع درجات الحرارة إلى هذه المستويات، إلا أن هناك جملة من المبادئ والمواثيق الدولية التي تُلزم الدول باتخاذ ما يلزم لحماية صحة وسلامة مواطنيها. من أبرز هذه الأسس:
-
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، الذي يكفل الحق في الحياة والعمل في ظروف إنسانية ولائقة.
-
العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966)، الذي يضمن الحق في بيئة عمل صحية وآمنة.
-
اتفاقيات منظمة العمل الدولية (ILO)، والتي تؤكد على ضرورة توفير ظروف عمل آمنة وخالية من المخاطر التي قد تُسبب أمراضاً أو وفيات مهنية.
هذه الوثائق لا تذكر صراحة “درجات الحرارة” أو “تعطيل الدوام”، لكنها تضع إطاراً عاماً يمنح الحكومات الحق – بل يفرض عليها – اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية المواطنين عند وجود تهديد مباشر للحياة.
المعايير الدولية للحرارة القصوى في بيئة العمل
أصدرت منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة العمل الدولية (ILO) أدلة تقنية تتعلق بالتعامل مع موجات الحرارة العالية في أماكن العمل، وتضمنت ما يلي:
-
تجاوز درجة الحرارة 40 مئوية مع رطوبة مرتفعة يُضاعف خطر الإصابة بضربات الشمس.
-
عند 50 درجة مئوية أو أكثر، تصبح الأنشطة البدنية في الهواء الطلق خطيرة للغاية، وقد تُسبب الوفاة في غضون دقائق ما لم تُتخذ تدابير تبريد وترطيب مناسبة.
-
توصي هذه المعايير بتقليص أو تعليق ساعات العمل في الأماكن المكشوفة عند تجاوز “مؤشر الحرارة الرطوبي” الحدّ المسموح به، وهو ما يُعرف باسم مؤشر WBGT.
بعض الدول الخليجية مثل الإمارات والسعودية تطبق هذه المعايير من خلال منع العمل الميداني في أوقات الظهيرة خلال أشهر الصيف، كجزء من قانون العمل وحماية العمال.
القوانين المحلية المستندة للمعايير الدولية
-
الإمارات، السعودية، قطر: لديها تشريعات واضحة تنظم العمل صيفاً، وتحظر العمل الميداني في أوقات الذروة وتفرض غرامات على المخالفين.
-
العراق والكويت: لا توجد نصوص قانونية صريحة، لكن تصدر قرارات حكومية استناداً إلى “دواعي السلامة العامة” لتعطيل الدوام الرسمي عند ارتفاع درجات الحرارة.
-
الاتحاد الأوروبي: يعتمد معايير دقيقة لضبط درجات الحرارة داخل بيئة العمل، ويمنح الموظف حق مغادرة العمل إذا أصبحت الظروف غير آمنة صحياً.
العراق نموذجاً: التعطيل عند تجاوز 50 درجة
في العراق، يتم تعطيل الدوام عند تجاوز الحرارة 50 درجة استناداً إلى:
-
قانون العمل العراقي رقم 37 لسنة 2015، والذي يُلزم صاحب العمل بتوفير بيئة عمل آمنة.
-
صلاحيات مجلس الوزراء والسلطات المحلية في إعلان العطل الرسمية خلال الطوارئ أو الكوارث الطبيعية، ومنها موجات الحرّ.
وغالباً ما تُعلن العطل الرسمية استناداً إلى تقارير هيئة الأنواء الجوية، لا سيما في المحافظات الجنوبية حيث تصل درجات الحرارة إلى مستويات خطيرة.
الأبعاد الإنسانية والاقتصادية لتعطيل الدوام
يتجاوز قرار تعطيل الدوام كونه إجراءً إداريًا ليحمل أبعاداً إنسانية واقتصادية، أبرزها:
-
حماية الأرواح، خاصة الفئات الضعيفة كالأطفال وكبار السن والعمال الميدانيين.
-
تقليل الضغط على المستشفيات التي تسجل ارتفاعاً في حالات ضربات الشمس والإجهاد الحراري.
-
خفض استهلاك الطاقة عبر تقليل الأحمال الكهربائية الناتجة عن التكييف والإضاءة في المؤسسات العامة.
لكن من جهة أخرى، يرى بعض الخبراء أن التعطيل المتكرر قد يؤثر سلباً على الإنتاجية ويؤدي إلى تأخر في تنفيذ المشاريع الحكومية والخاصة، ما يتطلب وجود آلية قانونية مرنة توازن بين السلامة والاستمرارية في العمل.
هل يمكن تحويل التعطيل إلى حق قانوني دائم؟
وفقاً لخبراء القانون الدولي، من الممكن تحويل “التعطيل الحراري” إلى حق قانوني من خلال:
-
تشريع وطني ينظم ساعات العمل وفق درجات الحرارة والرطوبة.
-
الانضمام إلى اتفاقيات دولية خاصة ببيئة العمل والصحة والسلامة.
-
اعتماد مؤشر WBGT كمقياس رسمي لاتخاذ قرار بتعليق أو تعديل الدوام في ظل الحرارة المرتفعة.
-
ورغم عدم وجود نصّ دولي يُجبر الحكومات على إعلان العطل عند تجاوز الحرارة 50 مئوية، إلا أن مبادئ حماية الصحة والسلامة تمنحها هذا الحق، بل وتضع عليها مسؤولية اتخاذ إجراءات وقائية لحماية حياة المواطنين في ظل الظروف المناخية القاسية.
المصدر: Iraq Zone | عراق زون