البحث
فكّ الشيفرة الجينية للتأتأة.. دراسة تمهّد لعلاجات مبكرة ومسارات جديدة في فهم الدماغ
  • نشر في 2025/07/30 الساعة 1:49 م
  • نشر في منوعات
  • 83 مشاهدة

في دراسة حديثة، توصّل باحثون من مركز فاندرلبيت الطبي في الولايات المتحدة إلى تحديد الأساس الجيني لاضطراب “التأتأة”، وهو اكتشاف يُمكن أن يشكّل نقطة تحول رئيسية في أساليب التشخيص والتدخل العلاجي المبكر لهذا الاضطراب.

 

وبيّن الفريق البحثي أن هذا التقدّم العلمي قد يُسهم في التعرّف المبكر على الأطفال الذين يُحتمل إصابتهم بـ”التأتأة”، مما يمنح فرصة للتدخل العلاجي في وقت مبكر، وبالتالي رفع فرص الشفاء أو التكيّف مع الحالة. وقد نُشرت نتائج الدراسة يوم الاثنين في دورية “Nature Genetics”.

 

وتُعرّف “التأتأة” بأنها اضطراب في الطلاقة الكلامية يظهر على شكل تكرار للأصوات أو المقاطع أو الكلمات، أو من خلال إطالة الصوت، أو التوقف المفاجئ أثناء الحديث. وغالبًا ما تظهر أعراضها في عمر يتراوح بين الثانية والخامسة، وقد تزول تلقائيًا لدى أغلب الأطفال، فيما تستمر لدى البعض حتى سن البلوغ.

 

ويُقدّر عدد المصابين بـ”التأتأة” حول العالم بأكثر من 400 مليون شخص، وهي أكثر شيوعًا بين الذكور، بنسبة تصل إلى أربعة أضعاف مقارنة بالإناث. وعلى الرغم من أن “التأتأة” لا ترتبط بمستوى الذكاء، إلا أنها تترك آثارًا نفسية واجتماعية عميقة، قد تشمل القلق والعزلة الاجتماعية وضعف الثقة بالنفس، خاصة في البيئات التعليمية والمهنية.

 

واستند الباحثون في دراستهم إلى تحليل بيانات وراثية تعود لأكثر من مليون شخص خضعوا لفحص الحمض النووي، حيث تم تطوير ما يُعرف بـ”مقياس الخطر متعدد الجينات” (Polygenic Risk Score)، وهو أداة تسمح بالتنبؤ بمخاطر إصابة الأطفال بالتأتأة حتى قبل ظهور الأعراض بشكل ملموس.

 

وتمكّنت الدراسة من تحديد 57 موقعًا جينيًا مرتبطًا بالتأتأة، موزّعة على 48 جينًا مختلفًا. وقد كشفت النتائج أن التأتأة ترتبط بمسارات عصبية محددة في الدماغ، مما يؤكد أن أسبابها بيولوجية، خلافًا للاعتقاد السائد سابقًا بأنها ناتجة عن عوامل نفسية أو بيئية فقط.

 

وأشارت الدراسة إلى أن البصمة الجينية المرتبطة بالتأتأة تختلف بين الجنسين؛ إذ ظهر جين (VRK2) كعامل أكثر وضوحًا لدى الذكور، الأمر الذي قد يُفسّر سبب معدلات الشفاء الأعلى لدى الإناث.

 

كما تبيّن أن بعض الجينات المرتبطة بالتأتأة لها تقاطعات وراثية مع اضطرابات أخرى، مثل التوحد والاكتئاب، وأيضًا مع القدرة على مزامنة الإيقاع الموسيقي، ما يشير إلى وجود مسارات عصبية مشتركة بين اللغة والموسيقى ووظائف الدماغ الأخرى.

 

وأكد الباحثون أهمية نشر الوعيتأتأ بأن التأتأة ليست نتيجة خلل في الشخصية أو أسلوب التربية، بل هي اضطراب بيولوجي قابل للفهم والتعامل العلمي، ما قد يُسهم في الحد من التنمّر والتمييز الاجتماعي الذي يتعرض له المصابون.

 

ويعتقد الفريق العلمي أن هذا الفهم الجديد لاضطراب التأتأة قد يفتح الباب لتطوير علاجات دوائية أو وراثية مستقبلية، لا سيما للحالات التي لا تستجيب للعلاجات التقليدية، كما أنه يقدم أساسًا جديدًا لفهم أوسع لآليات الدماغ المتعلقة باللغة والذاكرة والوظائف الإدراكية.