كشفت دراسة حديثة عن وظيفة مذهلة لمنطقة صغيرة في الدماغ تُعرف باسم “البقعة الزرقاء”، تعمل كـ”زر فصل” بين الذكريات المتتالية، مما يساعد الدماغ على تنظيم الأحداث كذكريات منفصلة.
تشير الدراسة إلى أن “البقعة الزرقاء” هي مجموعة من الخلايا العصبية في جذع الدماغ، معروفة بدورها في اليقظة والانتباه، لكن هناك فرضية جديدة تشير إلى أنها قد تعمل كـ”زر فاصل” يفصل بين أجزاء التجارب المختلفة أثناء تخزين الذكريات، تماما كما تفصل الفصول بين أجزاء الكتاب.
لاختبار هذه الفرضية، أجرى العلماء تجربة على 36 متطوعاً، حيث شاهد المشاركون سلسلة من الصور المحايدة أثناء تنفيذ مهمة محددة، وقبل عرض كل صورة، كانوا يسمعون نغمة صوتية في الأذن اليمنى أو اليسرى لتحديد اليد التي يجب استخدامها عند الإجابة عن سؤال يتعلق بحجم الشيء في الصورة.
ولم تُستخدم هذه الأصوات للإشارة فقط، بل أيضاً لخلق إحساس بـ”السياق”: إذ شكّلت سلسلة النغمات المتشابهة شعوراً بالاستمرارية، بينما مثّلت التغييرات في النغمة أو في الجهة (يمين/يسار) “حدوداً للأحداث”، وفي هذه اللحظات تحديدا كان الدماغ يقرر أن ذكرى معينة انتهت، لتبدأ أخرى جديدة.
ووجد الباحثون أن نشاط “البقعة الزرقاء” يزداد بشكل ملحوظ عند حدود أحداث محددة مثل تغيّر النغمة أو الجهة، والأهم من ذلك أن هذه الذروات في النشاط تزامنت مع ضعف في تذكّر ترتيب مؤشرات التنبيه، ما يشير إلى أن الدماغ يقوم بتقسيم الانطباعات إلى أجزاء منفصلة بدلاً من ربطها في تدفق واحد مستمر.
كما أظهر تحليل البيانات أن ذروات نشاط “البقعة الزرقاء” تؤثر مباشرة على منطقة الحُصين، وهي بنية دماغية رئيسية مسؤولة عن تكوين الذاكرة العرضية، وقد تبين للعلماء أن نشاط “البقعة الزرقاء” يُعيد ضبط عمل جزء من الحُصين يُسمّى التلفيف المسنّن، مما يساعد الدماغ على تمييز الأحداث المتشابهة وتشفيرها كذكريات مستقلة.
وكشفت الدراسة أيضاً أن الأشخاص الذين يعانون من فرط النشاط المزمن في منطقة “البقعة الزرقاء” لديهم حساسية أقل لحدود الأحداث، وبمعنى آخر، إذا كان نظام الإنذار في الدماغ يعمل في وضع “القلق الدائم”، فإنه يصبح أقل قدرة على الاستجابة للتغييرات المهمة فعلاً في البيئة.
وأوضح ديفيد كليفت، الباحث الرئيسي من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، جوهر الاكتشاف قائلاً:
“الحياة تتدفق باستمرار، ولكن لكي نفهمها، نقسمها إلى فصول، نحن نتذكر الماضي ليس كتيار متواصل، بل كحلقات منفصلة. لذا أردنا نحن وزملاؤنا أن نفهم كيف يحوّل الدماغ هذا التدفق إلى فصول منفصلة مكرّسة لأحداث محددة”.
وبعد هذه النتائج، يتطلّع العلماء إلى استكشاف إمكانية تنظيم مستوى تنبيه “البقعة الزرقاء” في الدماغ من خلال وسائل مثل تمارين التنفس، والتأمل، أو الأدوية، لمعرفة ما إذا كان بالإمكان التأثير على كيفية فصل الذكريات، وقد يفتح ذلك الباب أمام تطبيقات علاجية مهمة في التعامل مع اضطرابات الذاكرة والخرف في المستقبل.
المصدر: Iraq Zone | عراق زون