يبدو أن تدريس الإنجليزية لم يكُ كافيا لتعيش الشابة العراقية جوانة أبو بكر (26 عاما) الجمال في عالم من الخيال التي تطمحُ للعيش فيه، فراحت تصنع عالما آخر من خلال إبرة ماكينتها، وبنغمات أصابعها الرفيعة بالعزف على الملابس القديمة والممزقة بإعادة تدويرها مع إضافة لمسات فنية، لتدمج بذلك ما بين عالم الأزياء والموضة مع الرسم والفن في لوحة واحدة لكن من القماش وليس الخشب.
في السليمانية، هذه المدينة المعروف عنها بالانفتاح الثقافي والفني منذ نشأتها والتي يطلقُ عليها عاصمة الثقافة في إقليم كردستان العراق، تعيش جوانة التي تعملُ مدرسة للغة الإنجليزية، إلا أنها بدأت أكثر عمقا عام 2019 في عالم الأزياء والموضة لكنها بطريقة مختلفة وبفكرة بعيدة عن المألوف.
اشتهرت المصممة جوانة في منطقتها، وصار الطلب يزداد يوما بعد آخر على أعمالها بعد أن بدأت للترويج لمشروعها وفكرتها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فصار الكثير من الزبائن يطلبون منها إعادة خياطة ملابسهم القديمة والممزقة ودمجها مع بعضها البعض، ليكون الناتج قطعة جديدة.
ومن الأعمال التي جاءت بها جوانة كفكرة جديدة هي تحويل بنطال الجينز إلى قميص أو سترة مع البقاء على جزء واسع من شكله، وتحديدا الخصر، فيبقى كما هو، ويمكن شدّ ربط القميص أو السترة بالحزام، مثل ما يشد على البنطال العادي، وغيرها الكثير من الملابس الأخرى بدمج أكثر من قطعة مختلفة من الملابس في قطعة واحدة.
وبالرغم من أن عملها في عرض الأزياء بهذه الفكرة والطريقة الجديدة جاء هواية، فإنها تحاول من خلال ذلك أن تُحافظ على البيئة بنشر ثقافة عدم رمي الملابس الممزقة أو القديمة، بل تؤكد ضرورة أن يتم إعادة تدويرها وتحويلها إلى قطع يمكن ارتداؤها كما تقوم هي بفعل ذلك مع أغلب ملابسها.
بعد الشهرة التي حققتها في عالم الأزياء والموضة، تطمحُ جوانة إلى توسيع مشروعها بفتح معمل أكبر، لتُساهم في تقديم فرص عمل للعديد من الشباب العاطلين عن العمل مع غياب الوظائف بسبب الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العراق.
وفيما إذا كان ما قدمته جوانة يمكن عدّه عملا فنيا يمزج ما بين الأزياء والموضة مع الرسم في آنٍ واحد، يُخالف الفنان التشكيلي كديانو عليكو رأي المصممة الشابة بقوله انّ عملية تحويل أو تدوير الملابس القديمة ليست بملابس جديدة، إلا أنّ البعض قد يلجأ إلى حيل فنية قد يصبح عملا فنيا يمكن عرضه، ويقرّ بأن ذلك لا يدخل أبداً ضمن الأعمال التشكيلية وإنما اليدوية، إلا انّه وبحكم إدخال لمسات عصرية أكثرُ حداثةً، فهذا يجعل من العمل لوحة فنية.
يعزّز عليكو رأيه بالإشارة إلى أن الكثير من المصممين لجؤوا إلى تدوير الألبسة القديمة أو الممزة وإعادة تحويلها إلى تصاميم أقرب إلى لوحة فنية، عن طريق دمج قطع قديمة مختلفة من الملابس والخروج في النهاية بقطعة فنية أنيقة.
الفرق بين العمل التشكيلي وتدوير قطع الملابس القديمة أو المهترئة هو أنّ الأوّل عمل فني يرسم على الورق أو القماش وليس مجسّما، أما الثاني -كما يوضح عليكو للجزيرة نت- فهو أيضا عمل فني، إلا أنه مجسّم يدخل ضمن أعمال التصاميم أو الأعمال اليدوية ويكون له جمالية خارج المألوف ويمكن ارتداؤه أو عرضه بشكل خاصّ في قاعة العرض.
وإلى الطرف الآخر بعيدا من عالم الرسم والأزياء وتعليقا منها على ما تقوم به المصممة جوانة، ترى الصحفية سرى إياد أن الأزمة الاقتصادية بالإقليم ساهمت في ظهور الكثير من المواهب الشبابية الإبداعية بمختلف المجالات والقطاعات، وتحديدا الأفكار والمشاريع التي اعتمدت على الجهد الذاتي والفردي.
تصف الصحفية -في استكمال حديثها للجزيرة نت- بأن ما تقوم به جوانة يعدّ موهبة تجمع الفن بالموضة، يمكن الذهاب به إلى أبعد ما في الخيال، إلا أنها سرعان ما تبدو محبطة نوعا ما لعدم وجود الدعم اللازم والكافي من الجهات المعنية لدعم الطاقات الشابة والاستفادة من مواهبها وإبداعاتها وتطويرها وتحفيزها أكثر نحو النجاح.
وتحذر من انقراض أو شبه انعدام الأفكار الشبابية الخلابة التي بدأت تظهر بقوة وبكثرة خلال السنوات الأخيرة، لكن ما تعدّه محل أسف وحسرة أن جزءا واسعا منها أصيب بخيبة أمل لعدم توفر البيئة اللائمة لاستمرارها واستكمال نضوجها وتطويرها، مطالبةً في ذات الوقت بإقامة معارض سنوية أو فصلية للأزياء تُعرض فيها نماذج كهذه من الإبداع في عالم الموضة
الكلمات الدلالية: